بعد هزيمة 1967، انتشرت فى مصر فوبيا التصوير وعلقت لافتات فى كل مكان بجانب المؤسسات والمعسكرات والمدارس والهيئات مكتوب عليها «ممنوع الاقتراب والتصوير»، كان المصريون يتعاملون كعادتهم مع هذه الأشياء باستخفاف مدركين أن الهزيمة التى مرمغت رؤوسنا فى التراب كانت أكبر من مجرد صور فوتوغرافية ساذجة لمجمع التحرير أو مدرسة السعيدية التقطها عابر سبيل، ولكنها كانت نتيجة مجتمع مصرى كان يعيش غيبوبة ثقة زائفة حارب مجتمعاً إسرائيلياً أجاد التخطيط والتآمر بدليل أننا عندما أفقنا وخططنا حدث نصر أكتوبر، وبلغ هذا الاستخفاف حداً كوميدياً لدرجة أن مصر كلها كانت تتناقل نداء الكمسارى الشهير: «محطة المطار السرى.. اللى عايز ينزل محطة المطار السرى».

أقول هذا الكلام بمناسبة الإعلان الساذج الذى أذاعه التليفزيون المصرى وتداولته الفضائيات وفيه يظهر سائح أجنبى يتحدث على المقهى مع شباب ويرسل ما سمعه عبر الموبايل، لم يدرك صانعو الإعلان أن زمن معرفة سعر الأرز وكمية احتياطى البنزين ودرجة احتقان المواطنين قد انتهى، وأن مشهد تكتكة جهاز الشفرة الذى كان يستخدمه عادل إمام فى مسلسل «جمعة الشوان» صار مشهداً متحفياً ينتمى إلى حفريات التاريخ بعد ظهور الإنترنت وجوجل إيرث الذى صار يحدد مكان الوشم فى بطون الزعماء وليس مكان غرف نومهم فقط، يعد أنفاسهم ولا يكتفى بعدّ جنودهم، القضية صارت أكبر من جمع معلومات من على المقاهى، فقد صار كل شىء على عينك يا تاجر، صارت الأوطان عارية حتى من ورقة التوت أمام مخابرات السى آى إيه والموساد وحتى أمام مراكز البحث العالمية التى لا تستعين بأسلحة أو مجندين، التكنولوجيا هزمت وفضحت الأسرار، فلم يعد هناك ما يسمى سراً من الأصل.

أخطر ما فى الإعلان هو تدمير وتخريب ثقافة السياحة، التعامل مع السائح فن وثقافة قبل أن يكون أهرامات وكرنك، إذا كنا مجتمعاً مصاباً بالوسوسة والتربص والتوجس، إذا كنا ننظر للأجنبى كجاسوس إلى أن تثبت براءته، فلن تكون لدينا سياحة من الأصل، إذا كنا نتعامل مع كل عين خضراء وشعر أصفر على أنه خائن وعميل فمن الأفضل أن نحول الأهرامات إلى جبانة والكرنك إلى شهر عقارى، إذا كنا مصرين على أن الحوار مع الأجنبى لا بد أن يغلف بالخوف والرعشة فليس هذا بحوار ولكنه خوار!

الثورة قامت لأن عواجيز السلطة الذين زحف الكوليسترول على شرايين أفكارهم وتمكن الألزهايمر من تلافيف عقولهم لم يكونوا على نفس إيقاع رواد الشبكة العنكبوتية من الشباب، أعتقد أنه بهذا الإعلان تأكدت أن الكوليسترول ما زال مترسباً فى الشرايين والألزهايمر ما زال متمكناً من العقول والأمخاخ، وما زال أهل الكهف مصرين على أن يصرفوا المليم والسحتوت والنكلة فى زمن الدولار والين واليورو.